فراس الور يكتب عن فيلم: ما تيجي نرقص


لا أنتظر كلمة شكر من الفنانين الذين شاركوا بهذا العمل إطلاقا و لا حتى من المخرجة و الجهة المنتجة، بل أكتب هذه الكلمات إنصافا لفكرة العمل التي أعجبتني و للفلم كمادة درامية، المشكلة هي الإنتقاد من دون وعي و ادراك، و الكارثة هي ان نهدم من يحاول صناعة الفرق، و الذي لا يمكن السكوت عنه هو أن ندفع مجتمعنا الى حفة الهاوية، فالدواء لهذه الداءات هو أن تكون لنا الشجاعة أن نصنع و ننجز...لا أن نقف كالمتفرجين من دون أن نكون منتيجين، اقله أن نحاول صناعة منتوجاً حتى و لو كان يتمتع ببعض الضعف...فقد يأتي من بعدنا من سيستفيد من خبرتنا سواء كانت قوية او ضحلة و يبني عليها منتوج اقوى مما قبل و بقلبه كلمة شكر ،
هكذا كانت محاولة فلم ما تيجي نرقص الذي تم انتاجه عام 2006 للمخرجة و المنتجة ايناس الدغيدي، فلم جميل يتمتع برسالة بسيطة و جوهرية ، فخاض كادره تجربة فريدة من نوعها بعالم الرقص لم ترى مثلها السينما المصرية منذ فترة، فبإختصار شديد حيث رسالة الفلم واضحة للذي يتابعه...بطلة الفلم إمرأة تعاني بعض الفتور بحياتها العائلية و الضغوطات بحياتها المهنية مما يجعلها تبحث عن أمر يجعلها تتحرر من هذه العلل التي تقتل سعادتها، فتكتشف مدرسة للرقص...فيدق قلبها لهذا الفن منذ النظرة الأولى، فنراها رويدا رويدا تتعلم الحركات الأولى لفنون الرقص لتكتشف متنفس لها من الضغوطات الهائلة و هواية كانت تحتاج ممارستها منذ زمن لتؤمن التوازن بحياتها، فكلنا بحاجة لفسحة أمل براقة بحياتنا تُؤَمِنْ لنا ملجئ من ضغطات الحياة لكي نستريح ذهنيا و جسديا...و بكل سهولة قد تكون الرقص للبعض، و للبعض الآخر قد تكون لعب الشطرنج...و لآخرين قد تكون مطالعة القصص المسلية، و لا يستغرب الآخر بأن كثيرون يذهبون مرة بالأسبوع للنوادي لممارسة السباحة او التنس...و في هذا الفلم استهوت البطلة الرقص...
تخلل الفلم بعض من المشاهد الكوميدية الطريفة من بعض الشخصيات التي تدرس في هذا المعهد او تتردد عليه، و راينا صراع كلاسيكي بين رواد معهد الرقص التي تتلقى به البطلة الدروس و بين فئة من الناس لا تُقَدِرْ هذه الفنون الجميلة بمحاولة لفرض رغباتها على أهل بيتها و المجتمع المحيط بها، و في مقالات سالفة لي تحت عنوان "فلم المهاجر" و فلم طيور الظلام" على بوابة روز اليوسف ناقشت موضوع المواهب المتعددة و أهمية صيانتها بالمجتمع، فمجتمعنا ينفض أخيرا عنه غبار التعصب الأعمى بحمد الله و رعايته و اصبح يتمتع ببصيرة أكبر بالنسبة لموضوع الفنون بشتى ابعادها و ضرورة الحفاظ عليها و التمتع بما تقدمه للمجتمع من رسائل بناءة ايجابية و ضرورية،
أشعر أن هذه التجربة هي فريدة من نوعها و يجب التوقف عندها، فقد حاول الكادر تقديم موضوع الرقص بحلته الحديثة ضمن كادر فني يُشْكَرْ عليه، بل بدل من الجلوس و مشاهدة الدول الغربية تصنع تجارب متلاحقة و ناجحة بهذا الشأن كتبت المنتجة رسالة بأول الفلم مفادها بأنها تسير بدرب تجربة رائدة غربية لتحاول وضع بارشيف الفن بمصر تجربة ناجحة حلوة و جميلة، و مع الأسف أقول للذين كتبوا النقد السيئ حول الفلم بأنه إذا وضعنا كوب نصفه ممتلئ بالماء سيقول البعض أن نصفه فارغ بصورة سلبية...أما أنا فسأقول أن نصفه ممتلئ...فالمنتجة ايناس الدغيدي مَلَئَتْ نصف الكوب بالماء...فبدل من النقد السيئ الذي لا ارى أنه يعطي الفلم حَقًهُ هل هنالك من المنتيجين من يكمل تعبئت الكوب بالماء؟ مع الأسف حينما نخرج من منازلنا في عتم الليل لا نرى الا السواد من حولنا...و لكن إذا نظرنا جيدا سنرى ابعاد لليل لم نلاحظها بسبب قصر نظرنا...فإذا نظرنا الى الفوق نحو السماء السرمدية سنتخطى عُقْدَةْ الظلام الدامس و سنرى لوحة جميلة عناصرها القمر المنير و النجوم البراقة اللامعة...      

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق