نبؤة فيلم دم الغزال عن مصر

كتب فراس الور
لا يجب ان نغلق الباب على رسالة هذا الفلم، فبين ثنايا الأحداث العديدة تقع رسالة هامة جدا كانت بمثابة نبؤة عن ثورة 25 من يناير، فتم انتاج هذا الفلم في عام 2005 و تخللته مشاهد مرعبة عن ثورة انتقام قام بها رضا ريشة (الفنان محمود عبد المغني) بطل من أبطال الفلم بعد أن تعرض للضرب المبرح في بداية مشاهده من عاطف  (الفنان عمر واكد) حينما تزوجت حنان (الفنانة منى زكي) الفناة التي يحب من آخر، جُرِحَ رضا ريشا بصورة كبيرة مما أثار في داخله رغبة عنيفة بالإنتقام من المجتمع المحيط به و مِنْ مَنْ تسبب له بهذا الجرح، فكان أساسا يعمل مرافق لراقصة (الفنانة صفوة) و طبال لها يقتات من الأفراح و المناسبات السعيدة بالحارة الفقيرة التي يسكن بها، و لكن بعد حادثة ضربه تُبَيِنْ لنا مشاهد الفلم كم أثر بِهِ هذا الجرح و غَيًرَهُ من الداخل ليتعملق به حب الإنتقام...ليحوله الى مارد همه الوحيد استعادة كرامته التي تبعثرت أمام الناس من أهل حارته،
تتعرض حنان الى نكسة كبيرة في يوم فرحها، فتضع الشرطة قبضتها على عروسها و بجيبه الممنوعات في ليلة الفرح، فتقع الكارثة الكبرى حيث حنان فتاة يتيمة و يهتم بأمرها رجلين فقط، الأول يكون عبدالستار (الفنان صلاح عبدالله) و يعمل نادل في نادي كبير رواده المرفهين بالمجتمع، و الثاني يدعى جابر عميش (الفنان نور الشريف) و يعمل على هامش الحياة...فَغَيًرَهُ المجتمع البشع من حوله الى عاطل عن العمل يُرَبي الحمام فوق سطوح بنايته و يقتات من اصطناع الحوادث المرورية، فيكون القاء نفسه على المركبات و هي تبطئ سرعتها عند الإشارات المرورية الوسيلة الوحيدة التي يُلْزِمْ بها السائقين دفع التعويضات له ليقتات الخبز و الطعام، مهنة خطيرة جدا بطبيعتها و لكن لنرى من خلالها كم هنالك نخب بالمجتمع المصري تعيش بكل معنى الكلمة من قلة الموت عدم المبالاة بأمرها، حتى حياته العاطفية تكون عبارة عن علاقة غير شرعية و لكن يلفها الحب و الحنان مع سلوى (الفنانة عايدة رياض). 
يرق قلب عبدالستار و جابر على حنان حيث تصبح على باب الله بعد نكسة فرحها، فتجبره قساوة القدر معها لمحاولة مساعدتها، فيقرر فتح موضوعها مع سيدة مجتمع مرفها اسمها نادية صفوان (الفنانة يسرا)، فيأخذ عبدالستار حنان معه الى النادي بثيابها التي لا تملك غيرهم و يترجي نادية بحرارة لتأخذها تحت جناحيها لربما تجد لها وظيفة تأكل من خلالها الرزق الحلال، ترفض نادية في بادئ الأمر خصوصا عندما تعلم عن سجن افراد من عائلاتها بتهم مختلفة و لكن تحت الحاح عبدالستار تقبل و بعد جهد جهيد، و نراها تأخذها معها في هذه المشاهد الشيقة من الفلم وسط ارتياح عبدالستار من هذا الموقف، حيث تطلب منها العمل بنادي اللياقة التي تملكه في فندق فاخر من فنادق القاهرة، 
و نرى عند هذه النقطة عاطف و طرقه الملتويه بالعيش، فيكون لص و سكير حيث يقتات من سرقة المنازل و الحرام، و يعاشر قوم من الفاسقين و أصحاب السوابق و المافيات من حارته و الحارات المحيطة به، فيقوم بِعِدَةِ سرقات ناجحة بينما نرى ريشا اثناء هذا يقرر القيام بتغير جوهري بحياته، فيدخل الى جامع من الجوامع التي يرتاده قوم من المتشددين، و يتعرف على طبق منهم حيث يقدم نفسه لهم و حيث ينجح بكسب ثقتهم بِيُسْر، و مع مرور الأيام و انغماس عاطف بِطُرُقِ حياته الفاسدة يبدء ريشا بالظهور بقوة بحياة الحارة و لكن بشكل مختلف، فنراه يمارس الضبط و الربط الأخلاقي بأكثر من مناسبة، فتارة يقوم مع اعوان له بالهجوم على محلات بيع الأفلام و حرقها بالكامل، و تارة نراه مع جماعته يهاجم الأفراح الإجتماعية بالحارة لأن بها رقص شرقي حيث ينها أهل الحراة عن هذا اللأمر بشدة متناسيا ماضيه كليا...و لا يكتفي بذلك بل يحاول حُكْم الحارة من خلال ادانت ما يغضب الله بها فَيُنَصِبْ ذاته عليها مع مرور المشاهد أميرا لها بالقوة، و نراه حتى يتدخل بحياة حنان ليسأل عن احوالها و في مشهد من المشاهد يسألها عن لماذا يدها ملفوفة برباط طبي بعد حادثة عنيفة في نادي اللياقة التي تخدم به، ريشا في هذه المشاهد أصبح ملكا للجماعة فاستطاعوا من خلاله تنفيذ ضبط و ربط بالحارة و تطبيق جزءا من شريعتهم كانوا قد افتقروا لها بالسالف، فبالنسبة لريشا القوة التي وفرتها له الجماعة كانت كفيلة لرد اعتباره بالحارة فقد كان انسان مهمش بالماضي يَعْبُر عنه أفراد المجتمع من دون الإكتراث لأمره إطلاقا، فَمَنْ سيكترث الى مرافق راقصة أو صبي لها يساعدها بمهنتها المتواضعة شأنا بالمجتمع؟ و لكن مع انتمائه للجماعة اشتد شخصيته أكثر من السالف فأصبح يتميز بقوة لم يكن يملكها من قبل...قوة التدين و التميز بأنه ينادي بتطبيق الشريعة و السُنَنْ النبوية بالحارة و حتى و إن كانذلك بالقوة...فهذا الأمر اعطاه رفعة معنوية لم يملكها من قبل، 
تنجح حنان بكسب ثقة نادية بالنادي، فنراها تُحْسِنْ تنظيف المرافق به و تلبيت احتياجات زوار النادي، و تنكشف حنان الفتاة البسيطة على مجتمع ارستقراطي مرفه يأتي ليمارس الرياضة و الأروبكس في كل يوم، و تصبح نادية قريبة جدا منها حيث تتعرف حنان على جرح كبير بحياتها خصوصا بعد دفاعها عنها حينما حاول طليقها التهجم عليها بالنادي، فتأوي الى بيتها الفاخر و تعلم كم هي انسانة متألمة من الداخل بالرغم من ابتسامتها و حياتها المرفهة، و تتعرف حنان على مدرب الرقص في النادي و تخرج معه بأكثر من مناسبة لتمضي معه بعض الوقت المسلي، و مع مرور الأيام تشعر في داخلها بإنجذاب نحوه و لكن مع تطور أحدث الفلم تُصْدَمْ بأنه شاب طموح جدا حين يقرر السفر الى الخارج حيث يجد دخل أكبر من الذي يتقاضاه بالقاهرة، تشعر بالصدمة من هذه الأنباء حيث تكتشف بأنه لا يبادلها العاطفة،  مع مرور الأيام تتغلب على هذا الإختبار لنرى مشاهد من نوع آخر تتطور و تسرق منها البسمة و الفرحة من حياتها، فهذا الفلم ينتهي بكارثة كبرى حيث يدفع عدد من الأبطال به ثمن انخراط ريشا بالجماعة المتطرفة، 
بحقيقة الأمر هذه الجماعة المتطرفة ليست غبية على الإطلاق، فتكون على اطلاع بإرادة ريشا الإنتقام من عاطف، فبحادثة لا يختلف بها أحد أنها جزء من شريعة إسلامية و قانون رسمي في الدولة الإسلامية يطبق ريشا الحد القاسي على يد عاطف، فيقطعها أمام لفيف كبير من المتدينين لنراه هنا يلبي جزء من طموحه، و هو الإنتقام من عاطف على الإهانة التي لاقاها منه في أول مشاهد هذا العمل الدرامي الكبير، و تستخدمه الجماعة بتنفيذ هجوم قاسي على مركز أمني حيث ينجحوا بقتل عدد من الجنود به، و لكم بأمر من الجماعة يختبئ ريشا بعدها ليصبح بعيدا عن متناول الكمائن التي تملئ شوارع القاهرة لأجل الإمساك بمنفذي العملية الإرهابية، و يتورط بعمل ارهابي آخر حينما يحاول عبور كمين أمني، فيختبئ بين أقفاص للخضار بسيارة نقل، و لكن بلحظة يتوتر بها السائق حينما يتوقف عند نقطة التفتيش لا يحسن جواب الضابط الذي يستجوبه عن مقصده من رحلته الى سوق الخضار، فنرى ريشا فجأة ينهض بين الأقفاص و يفتح النار على نقطة التفتيش و يقتل عددا كبيرا من الضباط و الجند، 
الملفت للإنتباه أن الفلم يتضمن نبؤة حقيقية عن القاهرة في عهدها اللاحق حينما حكمها الإخوان بعد ثورة 25 من يناير، فقد تم انتاجه في سنة 2005 و لكن للذي يُمْعِنْ النظر بأحداثه سيفهم أن حُكْم الحارة من قِبَلْ المتشددين هو نبؤة تمثل حكم الإخوان لمصر بعد ثورة 25 من يناير، فقد أحسن ريشا مع الجماعة ممارسة شتى طرق الفرض للشريعة الإسلامية و بالقوة و التهويل المرعب مثلما فعل الإخوان بمصر قَبْل ثورة 30 من يونيو، فاستوقفني هذا الحدث كثيرا حيث تشابهت وتيرت الأحداث داخل حارة دم الغزال بالتي شهدتها القاهرة اثناء عام 2012، للذي فهم ما جاء بفلم دم الغزال و ابعاده السياسية و الطريقة التي طوقوا بها المتشددين مع ريشا حارتهم البسيطة و المسالمة سيعلم أن القاهرة كانت حارة دم الغزال طوال عامين تقريبا بعد ثورة 25 من يناير الى ثورة 30 من يونيو...فقد سقط حكم الإخوان مع ريشا في الفلم عندما نجحوا الشرطة بالتعاون مع حنان بفرض كمين لريشا...حيث حدثت مواجهات مسلحة نجح بالهروب منها بصعوبة و لكن...لنرى حنان الضحية الحقيقية بعد العراك ملقاة في بركة من الدماء بنهاية تراجدية مروعة...فهروب ريشا من الشرطة معناه أن عراكها مع المتشديين لم ينتهي و سيتواصل و الضحية الحقيقية هي حنان الإمرأة المسالمة المسكينة...فهل تنبئ هذا الفلم القوي بطبيعة احداثه بحكم الإخوان للقاهرة لاحقا؟ على المشاهدين الحكم بنفسهم، يرينا هذا الفلم الكبير ايضا نهاية مروعة لجابر حيث محاولته الناجحة لتوريط أصحاب السيارات بحوادث مرورية بدهائه و مكره معهم يتسبب له بالوفاة، فتنتهي رحلة هذا الإنسان الشاقة بصدمة موجعة ليفتقده صديق عمرة عبدالستار وسط الدموع و الحزن الكبير، 
فلم دم الغزال يقدم صورة مروعة واقعية عن الطبقة الفقيرة من مصر و عن حكم الإخوان لمصر من خلال الصراع الدائر بين شخصياته و حكم المتشددين لحارة ريشا و جبار و عبدالستار، فَوَضَعَ ريشا يده للإنتقام بيد المتشديين ليُغَيِرْ مسار حياة شخصيات هذه الحارة الى نهايه حزينة و تراجيدية بسبب عدم مقدرته المسامحة و الغفران للذي ضربه و لفقدانه لحنان و لقساوة ظروفه عليه...فنراه يمارس الطغيان على هذه الحارة التي لم تحترمه إطلاقا و يبطش بسلامها من خلال تنفيذ الهجمات الإرهابية و يورط نفسه بعمليات هجومية على الجيش المصري...بل يصبح طريدا للعدالة و الإنتقام يغلي بصدره من الذين اهانوه، و بالرغم من نجاحه بالإنتقام من عاطف إلا أن ضريبة انتمائه للجماعة كانت كبيرة جدا...فماتت حتى الإنسانة التي كان يحب ليدمر سعادة الذين حوله بالحارة، قصة واقعية تحتوي على آلآم الفقراء و المهمشين بمصر و الذين تجندهم الجماعات المتشددة ليحاولوا الإمساك بالجنة من خلالها و لكن مع كل أسف...شعر ريشا في نهاية مشاهد هذا الفلم أنه لم يمسك إلا التراب و الدماء في يديه...     

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق